ملخص كتاب (تاريخ العبيد في الخليج العربي)


 ملخص كتاب (تاريخ العبيد في الخليج العربي)



تأليف: هشام العوضي | الطبعة الأولى: 2021 | دار النشر: التنوير | عدد الصفحات: 240 صفحة

يسلط الكتاب الضوء على شريحة مهمة ومثيرة للجدل في الخليج العربي وهم العبيد. فعلى الرغم من أن العبيد لعبو دوراً كبيراً في ثقافة وإقتصاد المنطقة، إلا أنه تم إقصاؤهم من الروايةالتاريخية الرسمية. فنبش ألام هذه الفئة التي ينعم نسلها اليوم بالحرية والإنصهار بالمجتمع ولكن آن لهذه النظرة أن تتغير. وأن يدرك الجميع أن دور العبيد كان مهماً ومشرفاً في بناء وإزدهار المجتمعات التي عاشو فيها.


ومن هنا نبدأ حكاية تجارة العبيد والدوافع التي صاغت مصيرهم في الخليج، هي حكاية مثيرة ومؤسِفة. مثيرة لأنها تروي تاريخًا جديدًا للمنطقة تحرّج الكثيرين من أن يكتبوا عنه ومؤسِفة لأنها اتخذت من البشر سلعة يتاجرون بها كما يتاجرون باللؤلؤ أو التمر أو الحيوانات . انقسم العبيد الذين عاشوا في الخليج إلى ثلاث فئات : فالغالبية منهم هم الذين وُلدوا أحرارًا ولكنهم اختُطفوا من ديارهم وتم جلبهم إلى الجزيرة العربية وبيعهم في أسواق العبيد التي كانت رائجة في تلك الفترة . ومنهم من جاء حُرًّا إلى الخليج أو الجزيرة العربية سواء للحج أو بحثًا عن عمل وتم اختطافه من قِبل سماسرة العبيد وبيع على أنه عبد وأما النوع الثالث من العبيد فهم أولئك الذين ولِدوا في الجزيرة العربية لأبوَين عبدَين غالبًا. زوّجهما سيّدهما بهدف الحصول على ذريَّتهما من أولاد لم يعرفوا سوى حياة العبودية. هناك متخصص في شؤون الخليج عن ميراث أو تأثير الأفارقة في الخليج العربي قال: «إن الكلام في هذا الموضوع غير مرحَّب به ولا بمناقشته على نطاق واسع في مجتمعات ودول الخليج». وأضاف: إن المواطنين من أصول أفريقية في الخليج لا يحبّون الخوض في تاريخ العبيد في البلاد ويعتبرون أن طرح أي نوع من الأسئلة عن أصولهم العِرقية وتاريخ عائلاتهم هو من الموضوعات المحظورة ودور هؤلاء كان أساسيًا وضروريًا في المجتمعات التي عاشوا فيها. ذالك أن عددهم في القرن التاسع عشر قد بلغ نحو مليون رجل وامرأة . عاشوا في هذه المنطقة وتركوا أثرهم في اللغة والطقوس والعادات والطعام واللباس .. وبالتالي من المستحيل بل من غير الأخلاقي تجاهلهم أو إقصاءهم عمدًا عن الرواية التاريخية للمنطقة.
يتناول هذا الكتاب تاريخ العبيد في الخليج العربي منذ نهاية القرن التاسع عشر، وحتى انتهاء نظام الرِّقّ في منتصف القرن العشرين. فالوكالات البريطانية في الخليج بحسب الاتفاقيات مع الحكّام المحليين كانت تسمح للعبيد باللجوء إلى الوكالة البريطانية والتقدّم بطلب العتق في حال ثبُت تعرّضهم إلى سوء المعاملة. حيث أن سكّان الخليج أمتلكُ العبيد لاستخدامهم في أعمال متعدّدة كالخدمة في المنازل والغوص وبحثًا عن اللؤلؤ والزراعة ... واشتمل العمل في المنازل على رعاية الأطفال والتنظيف وضيافة الزوّار. كما سمح البعض لعبيده بأن يعمل لحسابه الخاص والحصول على حريته بعد أن يكون عمل لسنوات بإخلاص. ولم يكن عتق العبيد ظاهرة نادرة حيث شاعت بتشجيع الإسلام على العتق بطرق شرعيَّة وكانت المكاتبة أي أن يشتري العبد حريته من ماله الخاصّ، إحدى الطرق التي شاعت في الخليج. وقامت المكاتبة على أساس اتفاق بين العبد وسيّده على أن يدفع العبد مبلغًا مقسَّطا من المال في مقابل أن يحصل على ورقة عتق مصدّقة من المحكمة الشرعية، وكان من الشائع أن يعتق البعض عبيده قبل الذهاب إلى أداء فريضة الحج. وكان تعليم العبد يعتبر نوعًا من الاستثمار المالي للسيّد خاصة إذا كانت لديه أعمال تتطلب تعليم العبد. فكلما كان العبد على معرفة بالقراءة والحساب كلما كان مؤهلًا لإدارة أعمال سيّده التجارية. لذلك فإنّ عبيد التجار تمتّعوا بمعاملة جيدة لحساسية الأعمال التي قاموا بها. كما بيع العبيد في محلات التجّار والسماسرة. وكثيرًا ما بيع العبد أو العبدة (الأمة) من السيد مباشرة، لحاجة السيّد إلى المال  أو لسبب ما في سلوك العبد وشخصيته أو بسبب سنّه ... وأرسل الكثيرون عبيدهم إلى أسواق الإحساء والدوحة ومسقط عندما لم يحصلوا على أسعار جيّدة في الكويت. ولم يكن من الشائع أن يبيع الشيوخ عبيدهم في سوق العبيد - حفاظًا على أسرار البيوت - سوى في حالات نادرة. بل كانوا غالبًا ما يلجأون إلى نفيهم إلى خارج البلد عندما يرتكبون عملًا يستدعي ذلك. الجيل الثاني من العبيد لم يشعر بالعبودية أو الغربة لأنه لم يعرف أو يجرّب وضعًا آخر، كما كانت كلمة يا وِلْدِي أو يا ابنتي هي المفردة الشائعة التي نادى بها السيّد عبده. ارتبط طلب العتق بسوء معاملة السيّد، وليس بمجرد الرغبة في الحرية ولهذا، فإن العبيد الذين تمتّعوا بمأوًى مستقرٍّ، وسيّد طيّب اعتبروا أنفسهم من المحظوظين، وكان العبيد يطالبون سيّدهم بأن يزوّجوهم، فهذا الأمر كان في صالح السيد إذ يكون الأولاد في ملكيته أيضًا. ولذلك كان البعض يلجأ إلى تزويج العبد من عبدة تعمل عنده وهو ما كان يُعتبر امتيازًا لهما. ومثلما كان السيّد يزوّج جاريته من أحد عبيده فإنه امتلك القدرة على أن يُطلّقها منه. وأحيانًا كان العبد هو الذي يطلّق زوجته من دون إذن أو تدخّل من السيّد. وذكرت الوكالة البريطانية حالات لهروب بعض الجواري نتيجة سوء معاملة أزواجهن العبيد. كانت نسبة هروب الجواري أقل من نسبة هروب العبيد، وكان أكثر ما يدفع الجارية إلى الهرب هو الالتحاق بعائلتها عندما يجري التفريق بينها وبين عائلتها، وقلما كانت الجواري تلجأن إلى الوكالة البريطانية طلبًا للعتق وذلك لاعتياد أغلبهن على الرِّقّ وعلى العيش في المنازل كخدم أو ملك يمين وعدم قدرتهنّ على التعامل مع الحياة خارج المنزل بسبب الظروف الاجتماعية التي لا تسمح للمرأة أن تعيش من دون حماية  ومن أصعب ما يواجه العبد المتزوّج هو بيعه من طرف سيّده. ويعني البيع التفريق بين العبد وأفراد أسرته خاصّة إذا كان المشتري الجديد مقيمًا في منطقة أو في بلد آخر. ولم يكن البيع مقتصرًا على بيع العبد الذَّكَرِ إنما كان يحصل أن يبيع المرأة، شكّلت النساء نسبة كبيرة من العبيد في الخليج. فوصل عدد الجواري في لنجة والكويت إلى ضعف عدد العبيد من الرجال. كما أشارت الوثائق البريطانية إلى جلب عدد من الفتيات وبيعهنّ كجوارٍ بهدف الزواج من أرمينيا وجورجيا. وذكرت أن ستين فتاة دخلنَ إلى الكويت في العام 1928م على الرغم من قرار الحاكم في العام 1924م، بمنع بيع الفتيات الأرمنيات لأنهن أحرارٌ ولسن رقيقًا. ولكن ذلك لم يمنع وجود سوق سوداء للزواج من الجواري، وللتحايل على شبهة تجارة العبيد التي منعتها بريطانيا لاحقًا، صار هذا البيع يُغطى باتفاق بين البائع والمشتري على أن تكون قيمة شراء الجارية هو مهرها وأنه يحق للمشتري ان يستردّه في حال رفضت الجارية العيش معه. كما كان للعبيد تأثيرهم على اللغة والتناسل وطرق العمل فأعدادهم الكبيرة التي وصلت إلى نحو المليون في القرن التاسع عشر، جعلت لهم تأثيرًا على عادات وتقاليد المجتمع أيضًا . تمسّك العديد من العبيد بعاداته التي جاء بها من بلاده وحملها معه أينما ذهب وأثّر هذا التفاعل على اللغة، والموسيقى، والطقوس الدينية والتقاليد والطعام. ويعتبر الزار من الطقوس التي جلبها العبيد من أفريقيا إلى الخليج. والرِّقّص والغناء، الذي عُرِف بالسامري في المنطقة الشرقية ونجد، والخبيتي في الحجاز، والزيران في نجران ودخلت الكلمات السواحيلية إلى مفردات اللهجة الخليجية. بل إن اللغة السواحيلية كانت تُستخدم في عمان، وبالأخص مسقط، في دلالة حيّة على الصلة التاريخية بين ساحل الخليج وساحل شرق أفريقيا . أيضًا وُجِدت في الخليج الموسيقى الخاصة بالزنوج منذ زمن طويل. ويعتبر أولئك الزنوج وأحفادهم الذين استقرّوا في البصرة والزبير، هم روّاد صناعة أنواع من الآلات الموسيقية التي انتشرت في شمال الخليج، والتي أوجدت الغناء الخاصّ بالزار، والهيوة، إن أداء العبيد للموسيقى ارتبط ببيئة السيّد، وما إذا كان جاء من البدو أو من الحضر. فقد امتازت موسيقى الحضر بالضرب على الطبول، فيما اعتمد البدو على التصفيق بالأيدي، تحاشى البدو استخدام الآلات الموسيقية  التي اعتبروا أن الإسلام حرّمها، باستثناء الطبول التي بدأوا في استخدامها في الخمسينات، على اعتبار جوازِها في الإسلام. ومع هذا، فقد اقتصر استعمالها على عبيد البدو، وليس البدو أنفسهم. وأطربت الربابة القبائل مثل شمّر، وظفير، وعنزة، والرشايدة، ولكن لم يعزفوا عليها بأنفسهم، وإنما اعتمدوا في عزفها على عبيدهم أيضًا، ودرجت نساء البدو على استئجار ما سمّي بـالطقّاقات أي اللواتي يقرعن الطبول في الأفراح، وغالبيتهن من أصول أفريقية. ولعب العبيد دورًا مهمًّا في الأداء الموسيقي، وخاصة دق الطبول كما درج الحكّام والوجهاء على استخدام العبيد في الرَّقص والغناء في حفلاتهم وعُرِفوا بالحفّالة أو الحفّال.
بعض العبيد تمتّعوا بنفوذ اجتماعي وسياسي بحكم قربهم من الوجهاء أو الحكام. ومنح بعض الحكام عبيده مسؤوليات جعلت لهم أحيانًا سلطة على العامّة. كما سُمح للعديد من العبيد الذين أُعتقوا بحمل اسم القبيلة أو العائلة التي انتموا إليها وهذا ساعد كثيرًا في صعودهم الاجتماعي .أيضاً من أسباب الوجود الكبير للعبيد في منطقة الخليج جاء مع زيادة الطلب العالمي على اللؤلؤ في القرن التاسع عشر. فقد شهدت أوروبا تكوّن طبقة جديدة من المستهلكين غير الطبقة الأرستقراطية القديمة شاع بينها الطلب على شراء اللؤلؤ للزينة  مما أدى إلى التوسّع في الإنتاج المحلي وزيادة الطلب على اليد العاملة. وأدى النمو في استهلاك هذه المنتجات إلى نمو تجارة العبيد لتوفير اليد العاملة. فزاد الطلب على العبيد في تركيا نتيجة زيادة الطلب على التبغ، وفي مصر كانت الحاجة لزيادة إنتاج القطن، وفي العراق لإنتاج القمح، وفي فلسطين لزيادة الطلب على البرتقال، وفي تونس لزيادة إنتاج الزيتون. كما زاد عدد العبيد في مزارع شرق أفريقيا، بسبب ارتفاع الطلب على العنب وقصب السكر والقرنفل، وارتفاع الطلب على التمور المنتَجَة في مزارع البصرة وعُمان وغيرهما، وفي الخليج ازداد الطلب على اللؤلؤ بشكلٍ خاصٍّ. كان الكثيرون من مالكي العبيد يؤجّرون عبيدهم للغوص لدى النواخذة، وعندها كان يُفترض بالسيد أن يكون مسؤولًا عن توفير طعام الغوّاص في أثناء رحلة الغوص. ومع انهيار اقتصاد اللؤلؤ في أواخر العشرينات بسبب إنتاج اللؤلؤ الياباني والمنافسة العالمية .فـقد أفقرت أزمة اللؤلؤ الكثيرين من البحّارة، فــ أثّرت الأزمة على العبيد، على اعتبار أنهم مثّلوا اليد العاملة في الغوص فلم يعد السيّد قادرًا على تزويد عبيده بالنفقات. كما لجأ العديد من العبيد إلى الوكالة البريطانية طلبًا للعتق بحجّة أن السيّد لم يعد قادرًا على تأمين نفقتهم. فساهم كساد سوق اللؤلؤ في الخليج في اكتساب العديد من العبيد حريتهم. وخوف السيد من هرب عبده إلى الرغبة في بيع العبيد  وذكر الوكيل السياسي البريطاني أن سكّان الإمارات باعوا عبيدهم لتجنّب هرب هؤلاء ولجوئهم إلى الوكالة والحصول على شهادة عتق. وذكرت المصادر أن سوقًا في الإحساء نشطت في بيع العبيد القادمين من الخليج الذين بات أسيادهم يريدون التخلّص منهم أو للاستفادة من بيعهم بدل فرارهم. فمع أزمة اللؤلؤ قد شاع هرب الكثير من العبيد أملاً في الحصول على عمل آخر. فاشتغل العديدون منهم في شركات النفط التي بدأت تحلّ تدريجيًّا محل مهنة الغوص. وغالبًا ما أدى عثور السيّد على عبده الهارب إلى القبض عليه  ومصادرة ما كسبه من أموال. إن أعمال العبيد اختلفت بحسب قدراتهم الشخصية أيضًا. ذلك أن سريعي التعلّم اشتغلوا مناولين في المتاجر، أو في تقديم الخدمات المنزلية المختلفة. فبعض العبيد تحوُلو أمناء السر عند أسيادهم وتمتعو بنفوذ قوي إلى درجة كونهم عبيداً. وأما أولئك الذين افتقدوا إلى الموهبة، فعادة اشتغلوا في الأعمال الشاقّة. فالأسياد الأثرياء وخاصة التجّار كانت بيوتهم تمتلئ بالعبيد وحياة هؤلاء اتسمت بالرفاهية. وعلى الرغم من أن العبيد الذين تم عتقهم كانوا يبحثون عن العمل باليومية فإن بعض العبيد فضّل الاستمرار في الرِّقّ طالما تكفّل سيّد العبد بنفقاته. وكأيّ سلعة للبيع والشراء كانت هناك مقاييس لتمييز العبيد الجيدين من العبيد الرديئين. بعض النصائح عند شراء العبيد مثل: «احذر من صفرة البشرة فهي علامة مؤكّدة على البواسير واحذر من الرجال الذي يحظون بمظهر جذاب وشعر ناعم وعيون ناعمة فالرجل الذي له هذه الصفات إما أن يكون مغرمًا بالنساء أو عُرضة للتخنّث. وتأكد من أن يستلقي العبد على ظهره واضغط على كلتا جانبيه وراقب جيدًا أي علامات لألم أو التهاب. كما تأكّد جيدًا من وجود أية عيوب غير ظاهرة مثل رائحة الفم الكريهة أو الصمم أو التلعثم أو التيبّس في اللثّة. اتبع هذه التعليمات وغيرها كثير، ولن يخيب اختيارك». وكان امتلاك العبيد بمثابة الاستثمار، إذ أمكن للسيد أن يشتري العبد ثم يبيعه بسعر أعلى.
وتراوحت أسعار العبيد في الخليج بين 1000 و 1500 روبية للعبد البالغ و 800 - 1000 روبية للطفل وكانت الألف روبية تعادل نحو مائتي دولار، وهو مبلغ كبير بمقاييس تلك الفترة. وأحيانًا تم استبدال العبيد ببضائع أخرى كالأسلحة مثلا. كان تجّار العبيد في ساحل فارس يقومون بنقل العبيد من البلوش إلى أسواق العبيد في دبي وغيرها في مقابل الحصول على الأسلحة والذخيرة. وأحيانًا اضطرّت الظروف الاقتصادية القاهرة بعض الآباء إلى اللجوء إلى بيع أبنائهم لسد رمق العيش وتوفير حياة أفضل للأبناء أنفسهم. ففي مكران في إيران، وبسبب قلّة الأمطار والمحاصيل الزراعية، اضطرّت المجاعة للكثير من العائلات التي لم تكن تمتلك أية ممتلكات قابلة للبيع إلى بيع بناتها وأولادها. وشهدت تلك الفترة تدفّق أعداد من العبيد القادمين من ساحل فارس إلى منطقة الخليج العرب. وشاع قيام الكثيرين من الحجاج ببيع عبيدهم في أثناء موسم الحج لتغطية نفقاتهم. كما اعتاد حجاج آخرون على شراء العبيد في موسم الحجّ أيضًا وهو ما أدّى أيضًا إلى ازدهار أسواق العبيد في الحجاز في موسم الحج. أدّت تجارة الخليج المتنامية مع شرق أفريقيا، إلى أن أصبح الأفارقة يمثّلون مكوّنًا عرقيًّا مهمًّا في التركيبة الاجتماعية لسكان المنطقة. حتى الأطفال كان لهم النصيب المؤلم في هذه التجارة لأنهم فريسة سهلة وطيّعة بالنسبة إلى سماسرة العبيد وتجّارهم. فسواء تم اختطافهم أو بيعُهم من جانب أهلِهم أو أسرِهم في الحرب فإن الأطفال كانوا يفتفرون إلى وسائل المقاومة. حيث نُقل الملايين من الأطفال من شرق أفريقيا إلى المناطق العربية وتركيا والهند وإيران ومصر عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر والخليج العربي. فقد دفعت الكوارث الطبيعية كالقحط والمجاعة بعض الآباء إلى بيع أطفالهم كي يتمكّن أفراد الأسرة من البقاء على قيد الحياة . فالمجاعة التي أصابت مناطق واسعة في المحيط الهندي في سنة 1814م أدّت إلى تزايد ظاهرة بيع الأطفال. وقال شاهد عيان أوروبي: إن الأطفال كانوا يباعون في الأسواق بثمن أقل من ثمن شراء كلب أو هرّة. ذكر بعض الرحّالة الذين زاروا المنطقة أن العبيد كانوا موجودين في جميع أنحاء الجزيرة العربية فشكّل العبيد جزءًا مهمًّا من الواقع الاجتماعي والاقتصادي في منطقة الجزيرة العربية. وذكر الرحالة الإنكليزي تشارلز دوتي عن رحلته في وسط الجزيرة العربية خلال ثمانينات القرن التاسع عشر، أن العبيد جاؤوا من أفريقيا سنويًّا للبيع في موسم الحجّ. وكان أكثر ما لفت انتباه الرحّالة في الجزيرة العربية هي أسواق العبيد.
وصف جون بوركهارت سوق سويقة في مكة بقوله: «عُرض العبيد من الذكور والإناث في وسط السوق وكان عرض زقاق السوق هو أربع خطوات فقط، وعلى الجانبين من الزقاق مقاعد مبنية من الحجر جلس عليها العبيد الذين جُلبوا من الحبشة. وأحاط الحجاج، من الكبار والصغار، بهذه المقاعد، بغرض استراق النظر إلى الفتيات، بينما تظاهروا بالتفاوض مع الباعة. وتم شراء العديد من أولئك العبيد. وكانت هناك أسواق لبيع العبيد في المدينة والطائف وتهامة وجدة. كما ذكر بوكهارت أن غالبية سكّان مكّة كانوا من الأجانب، وهم من الذين استقرّوا في مكة بعد انتهاء موسم الحج. وقال بأن لون بشرة سكان مكّة تميل إلى السمرة، بسبب زواج هؤلاء الحجاج بعبيد من الحبشة. وكان دور العبيد في رحلات الحج هو حراسة القوافل والسهر على راحة الحجاج. وذكر أحد الكتّاب أن غياب أنظمة النقل الحديثة كالعربات وسكك الحديد شكّلت أحد الأسباب المهمّة لاستمرار نظام الرِّقّ في بلاد العرب. أشار بوكهارت إلى ظاهرة غريبة وهي بيع المسلمين على أنهم عبيد على الرغم من أن الإسلام حرّم استرقاق المسلم فقد جاء في ما كتبه عن رحلته: جاء العبيد من أنحاء العالم الإسلامي إلى الجزيرة العربية للحج، وكان العديد منهنّ من الإناث يدخلن برفقة سيّدهنّ تحت غطاء أنهن زوجاته أو قريباته فلما يصلن إلى مكّة يقوم السيّد ببيعهن. وإلى جانب حراسة قوافل الحج قام العبيد بحراسة قوافل تجارة العبيد. كانت تلك القوافل تتعرّض إلى الإغارة من البدو وإلى هرب العبيد أنفسهم. كثيرًا ما قام البدو باختطاف أطفال العبيد وبيعهم في الحجاز والإحساء  شكّل العبيد جزءًا من النظام الاجتماعي القائم في الجزيرة العربية. ولم يقتصر شراء العبيد على الأغنياء بل كان شائعًا أن ترى الفقراء يمتلكون عبدًا أو اثنين. فلم يكن العمل مقابل أجر أمرًا منتشرًا بعد في الجزيرة العربية وبالتالي كان وجود العبيد ظاهرة طبيعية بسبب الحاجة اليومية إلى اليد العاملة وباعتبار أن عملهم مصدر دخل. وكانت الحاجة إلى العبيد ذات أهمية كبيرة لا سيما عند سكان القرى والمزارعين في المناطق الريفية. فقد احتاجت أسر المزارعين إلى اليد العاملة في بيئة لم تعرف ثقافة تقسيم العمل بين السيد والقن، كما في الأنظمة الإقطاعية التي ظهرت في أوروبا. وأما عدد العبيد في منزل السيّد المقتدر فكان لا يقل عن اثنين أو ثلاثة وقد يصل إلى العشرات. كما اشتهر رؤساء القبائل بامتلاك العبيد واختلف عدد العبيد عند كل قبيلة بحسب قوة القبيلة وحجمها .
أما عن العبيد المخصيّين، فذكر أن غالبيتهم أتوا من النوبة والحبشة وأفريقيا للخدمة في الحرم المكي. وأنهم كانوا أقوياء جسديًّا، ونادرًا ما كانوا يتّسمون باللطف أو الود. وعلى الرغم من أن الإسلام حرّم الإخصاء، إلا أنه تم جلبهم خصيان من بلادهم . وشاع إخصاء العبيد في المناطق السلافية أو ديار الصقالبة، لدرجة أن مرادف كلمة الخصي هو الصقلبي. وكان حجم تجارة العبيد المخصيّين من الصقالبة ومن الحواضر الإسلامية كدمشق وبغداد واسطنبول كبيرًا ورائجًا. واعتُبر العبد المخصي ذو قيمة كبيرة، وقد عانى العبيد المخصيّون أكثر من غيرهم إذ تم اقتلاعهم من ماضيهم بطريقة قاسية ومحو أسمائهم وأسماء آبائهم من الذاكرة. فكان تدمير ماضيهم هو المرحلة الأولى التي خضع لها جميع العبيد المخصيّين تلتها مرحلة العتق وإكسابهم هوية جديدة إسلامية. وأعقب ألم تدمير الماضي ألم آخر وهو طريقة الإخصاء. وفي حال نجا العبد من تلك الصدمة النفسية والعضوية فإنه يصبح عضوًا في فئة غير عادية ومحرومة من أي مستقبل له علاقة بالتكاثر والذرية. إنها دورة الحياة الزمنية والطبيعية التي فقدها المخصي إلى الأبد ويكبر المخصيّ في السن ولكن لا تظهر عليه مرحلة الشيخوخة كما تظهر عند غيره من الرجال. وكان العبد المخصي غالي الثمن، لندرته، ولأنه يقوم بوظائف حراسة الكعبة المشرّفة، وحجرة الرسول صلى الله عليه وسلم. وتم اصطفاء العبيد المخصيّين لكونهم طاهرين من دنَس الجماع أو الجنابة. وأُطلق على الذين قاموا بالخدمة في الحرمين الشريفين لقب «الأغوات». وبالتالي كان اسم الأغا - وهو مفرد أغوات - يُطلق على العبد المخصي، وهو لقب عثماني. وكانت مسؤولية الأغوات هي المحافظة على أمن ونظافة المسجد النبوي. اقتضى العرف أن يقوم العبيد المخصيون بحراسة الكعبة. وكان معظمهم من العبيد السود الذين جاؤوا من السودان، وتم إخصاؤهم هناك منذ كانوا أطفالًا. واشتهر العثمانيون باعتمادهم الكبير على الأغوات في خدمة حريم السلطان. وقُدِّر عدد الأغوات الذين سكنوا في قصور العثمانيين في سنة 1903م بحوالى 194 عبدًا. ولعب الأغوات دورًا كبيرًا في بلاط الحكام المصريين أيضًا. إذ حظي الأغوات الذين خدموا والدة الخديوي عباس والخديوي إسماعيل مثلًا على نفوذ كبير في القاهرة. وأحضر العثمانيون الأغوات من الحبشة وأفريقيا. وأسّسوا مدرسة خاصّة لهم في القصر باسم «ثكنة الأغوات» لتعليمهم اللغة التركية، وآداب القصر بشكل عام.
ساهم انهيار صناعة اللؤلؤ في التعجيل بانهاء نظام الرِّقّ. فمع إنهيار مهنة الغوص ووصولاً إلى انقراضها في بداية الخمسينات. أثّر انهيار صناعة اللؤلؤ سلبيًّا على العلاقة بين العبد وسيّده. ذلك أن كساد اللؤلؤ أثار الرغبة لدى الكثيرين من الأسياد في بيع عبيدهم، والتخلّص من عبء الإنفاق عليهم. وأما العبيد فقد انقسم موقفهم إلى قسميْن: قسم رغب في البقاء مع سيّده، طالما توفّرت لهم مقومات الحياة الكريمة، وقسم رغب في الحصول على حرّيته لأن أوضاعهم تدهورت. ولجأ إلى الوكالة البريطانية نحو 185 عبدًا في سنة 1938م. ووجد الكثيرون من العبيد الذين تم عتقهم في شركات النفط الناشئة فرصًا سانحة لكسب المال. وبدء حياة جديدة. وغالبًا ما أُعتق العبيد انطلاقًا من دوافع دينية. وكان المطوِّفون - وهم دليل الحاج في الحج - يحثّون الأغنياء، على إعتاق عبيدهم، باعتبارها صدَقة جارية ومن أعمال البر والتقوى وغالبًا ما تم تحرير العبيد تكفيرًا عن ذنب معيَّن، أو كنذر عند الشفاء من مرضٍ ما، أو تنفيذًا لوصية قبل الممات. ووفّر الشرع أكثر من طريقة لحصول العبد على حريته، بما في ذلك إبداء العبد رغبته في الحصول على الحرية، وهو ما يُعرف باسم المكاتبة. ويتم - بحسب المكاتبة - الاتفاق بين العبد وسيّده أن يقوم العبد بتسديد مبلغ معيّن، يدفعه إلى السيد على دفعات، في مقابل حصوله على حريته. كما خُصِّصت الأموال من موارد الزكاة لعتق العبيد، وهذا معنى قوله تعالى: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرِّقّاب». كما أُعتق العبيد مكافأة على وفائهم وإخلاصهم. فجاءت القوانين الخاصة بتنظيم تجارة العبيد في سنة 1936م  كنقطة تحول مهمّة قبل الغاء الرِّقّ رسميًّا. ولم يلغ نظام الرِّقّ في الخليج والجزيرة العربية فجأة أو مرة واحدة  ولكن مرّ بمراحل طويلة ومتعدّدة، بدأت بمنع بريطانيا تجارة العبيد، وانتهت بتطوّر المجتمع، وتبنّيه للمبادئ الحديثة التي لم تعد تتقبّل ممارسة الرِّقّ. ومن تلك القوانين التي نظّمت تجارة الرِّقّيق كان تحريم استرقاق الأشخاص الأحرار ومعاقبة من يقوم بذلك بدفع غرامة مالية، والحبس لمدة لا تزيد على عام  وتحريم إدخال العبيد ما لم يكونوا حاملين لوثيقة حكومية رسمية تثبت أنهم عبيد من الديار التي وفدوا منها، واشتراط الحصول على رخصة رسمية من الحكومة للعمل سمسارًا أو تاجر عبيد. أيضاُ من الأمور التي سهلة عملية الرق. فقد مكّنت عوائد النفط من دخول التقنيات الحديثة في الوظائف، والزراعة والمواصلات، كما مكّنت الدولة من دفع تعويضات مجزية إلى المواطنين لتشجيعهم على تطبيق القوانين التي صدرت بخصوص عتق العبيد. وبدأ البريطانيون في إصدار ورقة العتق منذ سنة 1852م ومنحها إلى العبيد الذين عُثر عليهم في البحر بعد توقيع اتفاقية حظر تجارة العبيد البحرية. وتم إنقاذ وتحرير 693 عبدًا في مياه الخليج بين السنوات 1852م – 1906م. لم تلغِ ورقة العتق البريطانية نظام الرِّقّ فورًا ولكن هدّدت مستقبله بالتأكيد. بدأت بريطانيا منذ منتصف القرن التاسع عشر في إبرام اتفاقيات مع حكّام المنطقة بهدف منع تجارة العبيد. وكانت أولى الاتفاقيات قي سنة 1820م. مع حكّام الشارقة ورأس الخيمة، وأبو ظبي، وأم القيوين، وعجمان. نصت المادة التاسعة من الاتفاقية على أن «حمل العبيد رجالا ونساء وأطفالًا من سواحل أفريقيا أو غيرها، ونقلهم عن طريق البحر يعتبر نهبًا وقرصنة، وأن الحكام ورعاياهم لن يقوموا بأي عمل من هذا النوع». وسُمّيت الاتفاقية بـ«المعاهدة العامّة للسلام» وكانت هذه هي بداية الهيمنة البريطانية على مياه الخليج الذي تحوّل إلى «بحيرة بريطانية ».
فعقدت اتفاقية مع شيخ البحرين لمنع تجارة العبيد في سنة 1861م ، مقابل الحماية البريطانية . وأبرمت اتفاقية مشابهة مع قطر في سنة 1916م ، مع السماح لحاكم قطر ورعاياه في الاحتفاظ بعبيدهم، شريطة حسن معاملتهم . كما عقدت اتفاقية مع الملك ابن سعود، الذي تعهد بمنع تجارة العبيد في سنة 1927م  وأعطى الحق للقنصلية البريطانية في تحرير العبيد اللاجئين إليها. وعلى الرغم من أن بريطانيا لم تعقد اتفاقية بمنع تجارة العبيد مع شيخ الكويت، إلا أنها اعتبرت أن سيطرتها على الإمارة، بحكم اتفاقية الحماية مع الكويت سنة 1899م، كافية لتمكينها من مراقبة حركة العبيد في أراضيها. كما عقدت مع فارس اتفاقيات مختلفة لمنع تجارة العبيد في أعوام 1848م و 1851م و 1882م ، ومع الدولة العثمانية في أعوام 1847م و 1855م و 1857م و 1880م ، ومع مصر في عامَي 1854م و 1877م. وأعطت الاتفاقيات بريطانيا الحق في تفتيش أي مركب يشتبه بأنه يحمل عبيدًا، ومصادرته فورًا في حال تلبّس صاحبه بتهمة المتاجرة. وأخضعت بريطانيا ساحل الخليج لمراقبة شديدة، عبر زوارقها على طول الساحل الممتد من اليمن إلى ميناء العراق.
لعبت بريطانيا دورًا كبيرًا في صياغة القوانين التي قضت على تجارة العبيد في الجزيرة العربية. ومن المهم التوضيح أن دوافع بريطانيا في القضاء على تجارة العبيد قامت على حماية سيطرتها التجارية على الهند وما حولها. كما اعتقد السكان بأن هناك معنًى واحدًا للعتق الشرعي وهو الذي يقوم به سيّد العبد وليس أحد غيره مما يعني بأن العبد الذي تعتقه بريطانيا ليس حرًّا في حكم الشرع . وكان الذي يعثر على عبد حرّرته بريطانيا يقبض عليه ويعيده إلى سيّده. كما استنكر الكثيرون من العلماء التدخّل البريطاني، ومحاربة تجارة العبيد   واعتبر العلماء أن اتفاقيات المنع التي عقدتها بريطانيا مع الدولة العثمانية تمثّل مظهرًا من مظاهر هيمنة أوروبا على المسلمين. وصار للناس من ذلك انزعاج واضطراب، وصاروا يقولون كيف يمنع بيع الرّقيق الذي ­أجازه الشرع؟ وأما الحكّام فكانوا في موقف لا يُحسَدون عليه. فقد كان عليهم أن يلتزموا بالاتفاقيات البريطانية، ويتعاملوا مع الرفض الشعبي للتدخّل الأجنبي.
كما اعترفت بريطانيا بسلطة ابن سعود على إقليم الحجاز خلفًا للحكم الهاشمي، وذلك في اتفاقية جدة في سنة 1927م. وجاء في المادة السابعة من الاتفاقية تعهّد الحاكم بمنع تجارة العبيد منعًا فوريًّا . وبالمقابل أكد الملك ابن سعود معارضته للرق، وأنه سيبذل ما في وسعه للقضاء عليه ولكن بالتدريج.
فاستمرّت تجارة العبيد بتواطؤ مع السماسرة وأحيانًا بدعم من الحكام وعلى الرغم من أن العبيد لم يعودوا يباعون في الأسواق العامة إلا أن البيع استمرّ خفية في منازل السماسرة. لإن اقتصاد بعض المناطق في الخليج كان يعتمد على الدخل الذي يحصلون عليه من عمل العبيد. فاقتصاد الحجاز كان يعتمد على عوائد الخراج من المحاصيل الزراعية التي لعب العبيد دورًا في زيادة إنتاجها . كما اعتمد على موسم الحج وتوافد الحجاج برفقة عبيدهم الذين ضاعف وجودهم من عوائد الضريبة على الحج. إن اقتصاد الحجاز كان يعتمد إلى حدٍّ كبيرٍ على الرسوم الجمركية بما في ذلك الرسوم الجمركية على العبيد. فلم يكن من السهل القضاء على تقليد قديم مثل الرِّقّ. كما لم يكن من السهل على الحاكم أن يخالف سلطة العلماء الذين مثّلوا جزءًا مهمًّا من شرعية الدولة. حمل عقد الخمسينات تحدّيات عديدة عجّلت بالغاء الرِّقّ في الخليج. فقد تعرّض حكام المنطقة - بسبب الحرب الباردة - إلى حملة من قوى جديدة تسلّمت السلطة في الشرق الأوسط ومنحازة إلى الاتحاد السوفييتي مثل مصر، والعراق، وإيران. واستغلت هذه القوى وجود نظام الرِّقّ كأداة دعائية للتدليل على تخلّف أنظمة الخليج وتأليب الرأي العام الدولي ضدها. وأحرجت هذه الدعاية القوى الغربية التي تحالفت مع دول الخليج في الحرب الباردة. وأدى انتقاد الأمم المتحدة، والدوائر المعارضة للرق في الصحف الأجنبية إلى جعل بريطانيا أكثر قلقًا وأشدّ حرصًا على إنهاء نظام الرِّقّ في الخليج. فقامت بريطانيا بتشكيل قوة عسكرية في سنة 1951م، باسم «قوة ساحل عمان» أو «قوة ساحل الامارات» للقيام بما من شأنه الحفاظ على مصالحها في المنطقة. وكان من مهمّات تلك القوة مساعدة الحكام المحليين في السيطرة على قبائل المناطق الداخلية ومكافحة تجارة العبيد. حيث لعب النفط دورًا إيجابيًّا في استجابة الحكام لمطالب بريطانيا. وكانت هناك صناعتان رائجتان في الخليج قبل اكتشاف النفط، وهما صيد اللؤلؤ، وتجارة العبيد. ولكن اكتشاف النفط، وعائداته التي وصلت إلى ثلاثة ملايين جنيه استرليني في السنة، تفوقت على عوائد تجارة العبيد، مما جعل خضوع الحاكم للضغط البريطاني سهلًا. وأدى اكتشاف النفط إلى نشوء توتر بين العبيد وأسيادهم. إذ أُجبر العبيد على العمل في شركات النفط وحصل السيد على 90% من أجورهم ونجحت بريطانا في إقناع الحاكم بخفض نسبة ما حصل عليه السيد إلى 50% فقط. ولكن العبيد الذين رأوا أن العمل في شركات النفط فرصة فريدة للتحرّر والاعتماد على النفس رفضوا حتى دفع هذه النسبة.
فألغت قطر نظام الرِّقّ رسميًّا في 10 أبريل من العام 1952م. وفسّر حاكم قطر القرار بقوله: «إن الرِّقّ محرّم في جميع الدول المتحضِّرة، ووجوده مخالف للكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية ». ودُفعت تعويضات مالية لأصحاب العبيد بلغت سبعين ألف جنيه استرليني تمكّن الحاكم من دفعها بفضل عوائد البترول.
أما في الكويت والبحرين فكانت أوضاع العبيد مرضية بالنسبة إلى البريطانيين. فعلى الرغم من استمرار وجود العبيد، إلا أن تجارة العبيد في الكويت توقّفت منذ العشرينات. وأعلن حاكم الكويت أن محاكمها لن تعترف أو تنظر في القضايا المتعلّقة بالرِّقّ.
والبحرين التي كانت أول دولة اكتُشف فيها النفط، هي أول دولة في الخليج ألغت الرِّقّ في العام 1937م واستمر نظام الرِّقّ قائمًا في الإمارات السبع، بسبب تأخر اكتشاف النفط فيها. وكانت كلفة عتقهم تقدّر بـ 225 ألف جنيهٍ استرلينيٍّ. وعندما طلبت بريطانيا من شيوخ الإمارات الغاء الرِّقّ، بعد تأسيس مجلس الإمارات المتصالحة في العام 1953م . كان ردهم أنهم لا يملكون الأموال الكافية لتعويض ملّاك العبيد. واشتغل الكثيرون من العبيد في شركة النفط في أبو ظبي وذهب ما حصلوا عليه من أجر إلى أسيادهم. ولم ترغب الشركة أن ترفض تشغيل العبيد بسبب هذا الظلم أو أن تحثّهم على اللجوء إلى الوكالة البريطانية طلبًا للحرّية وذلك مخافة من إثارة غضب الحاكم. وقد لعبت قرارات الأمم المتحدة بشأن الرِّقّ دورًا مكملًا للاتفاقيات البريطانية في القرن التاسع عشر. إذ أحرجت تلك القرارات دول الخليج وزادت من الضغط عليها لإلغاء الرِّقّ خاصّة وأنها كانت تطمح أن تصبح عضوًا في الأمم المتحدة. واعتمدت الأمم المتّحدة ما سمّي بالاتفاقية التكميلية لإبطال الرِّقّ في سنة 1956م ، والتي نصت على أن استرقاق أي شخص يعتبر جريمة جنائية في قانون الدولة الموقّعة على الاتفاقية . وقع حكّام الإمارات على الاتفاقية. عندئذ أصدر حكام الإمارات مرسومًا في السنة نفسها نصّ على أن تجارة العبيد، والرِّقّ، ممنوعة في أراضيهم منذ زمن طويل.
وبالنسبة لعُمان، فقد تمسّكت بالرِّقّ لسنوات أطول. ولم ينته الرِّقّ إلا بعد انقلاب السلطان قابوس على العرش في سنة 1970م ، ودعوة الجبهة الشعبية لتحريرعمان في سنة 1971م إلى «القضاء على تجارة العبيد والغاء الرِّقّ». فأُلغي الرِّقّ رسميًّا في عُمان من خلال قرار اللجنة الاستشارية المؤقتة التي كانت تسيطرعليها بريطانيا، وقعّت السعودية على اتفاقية الأمم المتحدة لإبطال الرِّقّ في سنة 1956م. ومع أنه لم يجرِ الالتزام بها. قام ولي العهد الأمير فيصل بن عبد العزيز بعتق جميع عبيده بعد التوقيع على الاتفاقية. في العام 1962م قررت السعودية أن تلغي الرِّقّ مطلقًا. وعملت بجميع الوسائل التدريجية للقضاء عليه فمنعت في أول الأمر استيراده وفرضت العقوبات على ذلك، ثم منعت مؤخرًا بيعه أو شراءه. وتجد الحكومة الآن الفرصة مواتية لأن تعلن ألغاء الرِّقّ مطلقًا وتحرير الأرقاء. ووعدت الحكومة السعودية بالتعويض المالي لمن ثبت استحقاقه للتعويض مثلما فعلت حكومات أخرى. واعتمد مجلس الوزراء السعودي خمسة ملايين ريال دفعة أولى للتعويضات. وطلبت وزارة الداخلية من مالكي العبيد التقدّم بطلبات التعويض مرفقة بشهادة الملكية وتكوّنت لجان في الرياض وبريدة وجدّة ومكّة والإحساء والدمام وغيرها من المناطق للنظر في طلبات التعويض والتأكد من صحتها. وأعلنت إذاعة مكّة أن الحكومة أنفقت عشرين مليون ريال على التعويضات التي أدت إلى عتق عشرة آلاف من العبيد. كما صدر قرار بمنح العبيد الذين أُعتقوا تصاريح عمل وبطاقة إثبات شخصية .
ختاماً لهذا التاريخ المؤلم : رغم أن نظام الرِّقّ كان موجودًا في الجزيرة العربية والخليج منذ القدم، إلا أنه بلغ ذروته بعد التوسّع الأوروبي في أفريقيا وآسيا. ثم بدأ نظام الرِّقّ ينهار عندما بدأت بريطانيا في محاربة تجارة العبيد في القرن التاسع عشر . وتأثّرت منطقة الخليج تأثرًا مباشرًا بالقرارات والاتفاقيات التي فرضتها بريطانيا  لأنها كانت واقعة تحت سيطرتها، ولأن الحكّام كانوا يريدون الانضمام إلى عضوية المنظمات الدولية التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى، التي وضعت بند إلغاء الرِّقّ كشرط للانضمام إليها. كما ساعد على إنهاء الرِّقّ، إضافة إلى بريطانيا والمنظمات الدولية، عدة ظروف محلّية أهمها اكتشاف النفط، وانهيار أسواق اللؤلؤ، وفتاوى العلماء المشجّعة على العتق. وعلى الرغم من أن الرِّقّ استمر في دول الخليج حتى السبعينات إلا أنه سرعان ما انتهى نهائيًا في ذاكرة الدول والمجتمعات الخليجية، فليس للرق أية إشارة مباشرة في المناهج الدراسية الحكومية والإعلام أو في الخطاب الشعبي ويعد الحديث عنه من التابوات التي اتفق الجميع على تحريم الإتيان على سيرتها. والقول إن تاريخ الرِّقّ في الخليج تعرّض إلى الإسكات، لا يعني أنه لم ينل حظه من الانتباه الكافي فقط، إنما يعني أن ذلك كان عملًا مقصودًا ومتعمّدًا. ويشمل تعمّد الإسكات استبعاد الروايات التاريخية الموثّقة، وتحرير وتعديل مستمر لتقديم قراءة تاريخية معقّمه أو مطهّرة من الشوائب  ولم يكن الهدف من هذا الإسكات هو الرغبة في تزييف الذاكرة الجمعية بالضرورة، ولكن العمل على صناعة ماضٍ صديقٍ وغير محرجٍ لنسل العبيد الذين تم عتقهم، وأصبحوا اليوم جزءًا عضويًا في المجتمع الخليجي قصد الإسكات إلى إتاحة الفرصة لتناسي الماضي، وإعادة بناء هوية جديدة تمكّن أحفاد تلك الفئة من المجتمع من الانصهار في المجتمع الخليجي من دون إحراجات. أما من جهتنا إذ نلقي الضوء على هذا التاريخ فإننا نفعل ذلك لنؤكّد أن هؤلاء الذين عاشوا في هذه المنطقة، لهم تاريخ، وأنهم ساهموا مساهمة كبيرة في بناء هذه المنطقة، بل لنقول إن دورهم، ودور أجدادهم كبير في تأمين أوضاع اقتصادية أتاحت العيش لكل السكّان، ولو كان ذلك على حساب تعبهم، وأنهم كانوا اليد العاملة الأكثر تأثيرًا، منذ فترة اللؤلؤ إلى فترة إنتاج التمور، وصولًا إلى فترة إنتاج النفط، وأنه ليس من المعيب إلقاء الضوء على هذا التاريخ، بل من الضروري إنارة تلك الفترة للتصالح معها وعدم إنكارها .
 
ملخص: محمد علي الطويل 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ألبوم يحتوي على أقدم صور متوفرة عن الأحساء منذ 1908

أنواع الإضاءة – إضاءة الأستوديو(5)

ملخص كتاب : مقاليد القراءة