التعليم ودول الخليج...!

التعليم و دول الخليج...!

 

التعليم هو جواز السفر إلى المستقبل، لأن الغد ينتمي إلى أولئك الذين يستعدون له اليوم.

"مالكوم إكس"

 

كان «نظام» التعليم قبل النفط متواضعًا جدًا في مملكات الخليج. ففي أوائل القرن العشرين كان التعليم يتمثل إلى حد كبير في «مدارس تحفيظ القرآن» (الكتاتيب). ويقتصر التدريس فيها على قراءة القرآن وحفظه وتعلم مبادئ اللغة العربية والحساب. وكانت البحرين أول من أدخل نظام التعليم العام في شبه الجزيرة العربية. فقد افتتحت فيها أول مدرسة حكومية للبنين (مدرسة الهداية الخليفي) في جزيرة المحرق في عام 1919. وفي عام 1926 افتتحت ثاني مدرسة حكومية للبنين في العاصمة المنامة. وبعد ذلك بسنتين (أي في عام 1928) افتتحت أول مدرسة عامة للبنات في البحرين. وفي الكويت، أنشأ التجار مدارس أهلية وكانت الأولى هي المدرسة المباركية في عام 1911، ثم المدرسة الأحمدية في عام 1921. وفي الثلاثينيات من القرن الماضي أسس تجار الكويت «مجلس المعارف»، وتمت توسعة النظام التعليمي ليشمل أربع مدارس ابتدائية جديدة، بما فيها مدرسة واحدة للبنات. ولكن سرعان ما تولت الحكومة إدارة هذا النظام التعليمي المتنامي وقامت بالتوسع السريع في قطاع التعليم بالكويت وذلك بفضل الإيرادات الجديدة من صادرات النفط بعد الحرب العالمية الثانية. أما عمان، فلم يكن لديها في عام 1970 سوى ثلاث مدارس ابتدائية تضم أقل من ألف تلميذ. وقد شهد نظام التعليم في السلطنة توسعًا كبيرًا بعد تولي السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في عام .1970 وفي قطر، تم افتتاح أول مدرسة ابتدائية في الدوحة في عام 1949 تحت اسم «الإصلاح المحمدية»، وفي عام 1954 تم افتتاح ثاني مدرسة في البلاد. وفي الساحل المتصالح، بنى البريطانيون أول مدرسة في الشارقة في عام 1953. وفي أبو ظبي تم افتتاح أول مدرسة ابتدائية عامة في عام 1965. أما السعودية، فقد بدأ التعليم الابتدائي فيها رسميًا في الثلاثينيات من القرن الماضي. وفي عام 1955 افتتحت أول مدرسة للبنات (مدرسة دار الحنان) في مدينة جدة وفي عام 1963 افتتحت أول مدرسة ثانوية عامة للبنات في المملكة.

ومع اكتشاف الضيف الجديد الزاهي (الذهب الأسود) الذي حل على دول الخليج وقلب الأوضاع الاقتصادية وأخذها إلى عهد جديد من التطور والانضمام إلى قافلة الحداثة العصرية إلا أن نظام التعليم لم يصل للهدف المرجو منه.

 فـنظام التعليم في دول الخليج لا يعلم الطلاب كيفية التفكير على نحوٍ مستقل وحل المشاكل ومعالجة المعلومات. إن «مهارات التفكير الناقد لا وجود لها في المناهج الدراسية، بل الاعتماد على الحفظ عن ظهر قلب... وحتى عندما يحصل المعلمون على فرصة للتأكيد على التفكير الناقد فإن الضرورات الأوسع لغرس القيم الوطنية المحافظة على الثقافة يمكنها أن تعيق جهودهم. ففي تصنيف لأفضل 40 نظامًا تعليميًا في العالم (عام 2014) جاءت كوريا الجنوبية في المرتبة الأولى تليها اليابان (الثانية) وسنغافورة (الثالثة) وهونغ كونغ (الرابعة) وفنلندا (الخامسة). وتضمنت القائمة إسرائيل في المرتبة 17 وبلغاريا في المرتبة 30. ويا للأسف لم تظهر بالقائمة أية دولة خليجية أو عربية.

واستنادًا إلى البنك الدولي فإن «المناهج الدراسية ونظم التقييم تشدد على المعرفة الواقعية ولا تركز بشكل كافٍ على حاجات التعلم الفردية لدى الطلاب ... كذلك يعتمد المعلمون اعتمادًا كبيرًا على الاستراتيجيات التعليمية التقليدية مثل التعلم عن طريق الحفظ.

هنا تؤكد الكاتبة أماندا ريبلي في كتابها المهم (أذكى الأطفال في العالم) (صادر في عام 2013)، أنه في فنلندا يجب أن يكون المعلم (أو المعلمة) المختار خريج مدرسة للتعليم لا تقبل سوى الطلاب المتفوقين للتسجيل في برامجها لتدريب المعلمين. وتشير إلى أن الالتحاق ببرنامج تدريب المعلمين في فنلندا «يعتبر مرموقًا بنفس درجة الالتحاق بكلية الطب في الولايات المتحدة». وتضيف المؤلفة: «لقد قرر الفنلنديون أن الطريقة الوحيدة للاهتمام الجدي بالتعليم هو اختيار مدرّسين على درجة عالية من التعليم، ومن بين الأفضل والألمع في كل جيل، وتدريبهم بدقة وعناية»

وتكتب ريبلي أنه في فنلندا وكوريا الجنوبية، «يعتقد الناس بأن التعليم هو في غاية الأهمية بحيث لا يسمح إلا للمواطنين الأكثر تعليمًا، والأكثر إنجازًا، القيام بمهمة التدريس. لماذا؟ لأن المدرسين المتعلمين تعليمًا عاليًا «هم أشخاص جادون ويؤدون وظائف شاقة... وأنهم يخضعون للمساءلة عن النتائج.

وتذكر المؤلفة عن إحدى المدرسات الفنلنديات اللواتي قابلتهن بأنه «كان على هذه المدرِّسة أولًا الحصول على القبول في واحدة من ثماني جامعات مرموقة لتدريب المعلمين» في فنلندا. وكانت هذه المعلمة قد حصلت على درجات كبرى في الاختبارات لكنها كانت تعلم أن احتمالات عدم قبولها واردة لقد كانت هذه المعلمة ترغب في تدريس اللغة الفنلندية، لذلك تقدمت بطلب إلى قسم اللغة الفنلندية في جامعة جيفاسكيلا. وإضافة إلى نتائج امتحانات التخرج التي قدمتها لهم فقد كان عليها قراءة أربعة كتب من اختيار الجامعة ثم الجلوس لامتحان خاص بالأدب الفنلندي. وبعد كل ذلك كان عليها الانتظار لقد تم قبول 20 بالمئة فقط من المتقدمين» . في فنلندا يجب على جميع المعلمين الفنلنديين الحصول على درجة الماجستير في التدريس. وهم يبدأون برنامج تدريب المعلمين في السنة الرابعة بالجامعة ويقضي المدرس المتدرب سنة كاملة من برنامج الماجستير في التدرب على التدريس في واحدة من أفضل المدارس العامة في البلاد.

وفي الوقت الذي يعَدّ دور المعلمين أمرًا حاسمًا في تحسين نتائج التلاميذ فإن الوضع الاجتماعي أو المكانة للمعلمين في كل بلد لا تحظى بالاهتمام اللازم.

من هنا تقوم مؤسسة فاركي بإصدار «مؤشر مكانة المعلم العالمي» لتسليط الضوء على مكانة المعلمين في أنحاء العالم. في مؤشر 2018، تم استطلاع 35 دولة حول العالم لقياس مدى احترام المعلمين فيها  وذلك من خلال سؤال أكثر من ألف شخص في كل بلد عن آرائهم في مهنة التعليم، وتم تصنيف تلك الآراء على مقياس من صفر إلى مئة. ولقد كشفت نتائج الاستطلاع بأن المعلمين الذين يحظون بالمكانة الاجتماعية الأعلى هم في الصين (100 نقطة) وتليها ماليزيا (93.3 نقطة). وتأتي في أسفل القائمة إسرائيل (6.6 نقاط) والبرازيل (نقطة واحدة). ويقول صني فاركي مؤسس فاركي بأنه «لا يزال هناك جبل يجب تسلقه قبل أن يحظى المعلمون في كل مكان بالاحترام الذي يستحقونه. وفي حقيقة الأمر هم المسؤولون عن تشكيل المستقبل

تقوم مؤسسة فاركي منذ عام 2015 بمنح جائزة المعلم العالمية السنوية البالغة قيمتها مليون دولار أمريكي إلى معلم استثنائي قدم مساهمة بارزة في مهنته. ويتم التحكيم من قبل الأكاديمية العالمية لجائزة المعلم (كان الفائز بجائزة المعلم العالمية لعام 2019 هو بيتر تابتشي مدرس علوم بمدرسة ثانوية في ريف كينيا بأفريقيا.

ويتم تقييم الطلاب غالبًا باستخدام تصنيفات الدول في اختبارات التعليم الدولية من أجل المقارنة بين أنظمة التعليم في بلدان العالم. ولعل أهم اختبارات التقييم العالمية هي «بيزا» (البرنامج الدولي لتقييم الطلبة) و«تيمز» (الاتجاهات الدولية في دراسة الرياضيات والعلوم) يقام اختبار بيزا تحت إشراف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) مرة كل ثلاث سنوات وذلك منذ عام 2000. وهو يختبر قدرات الطلبة في سن الخامسة عشرة في التخصصات الأكاديمية الأساسية وهي الرياضيات والعلوم والقراءة. ويعتبر اختبار بيزا كوسيلة لقياس تدريس الإبداع والتفكير النقدي. أما اختبار تيمز فتقوم به الجمعية الدولية لتقييم التحصيل التعليمي مرة كل أربع سنوات وذلك منذ عام 1959. يختبر تيمز تلاميذ الصفين الرابع والثامن في الرياضيات والعلوم، و«يهدف إلى السماح للأنظمة التعليمية في جميع أنحاء العالم بمقارنة التحصيل العلمي لطلابها والتعلم من تجارب الآخرين في مجال تصميم سياسات تعليمية فعالة». بالنسبة إلى اختبار بيزا لعام 2015، فقد تقدم إلى الاختبار قرابة 540 ألف طالب من 74 دولة، من بينها الإمارات وقطر. وقد جاءت سنغافورة في المركز الأول في جميع المواد الثلاث. وقد كان «متوسط درجات الطالب السنغافوري في الرياضيات 564 درجة، وهو ما يشير إلى تفوقهم وتقدمهم بثلاث سنوات تقريبًا عن أقرانهم في الولايات المتحدة الذين تحصّلوا على 470 درجة». كمعايير عالمية تظهر نتائج اختبارات بيزا وتيمز أن طلاب دول الخليج يتخلفون كثيرًا عن نظرائهم في بلدان أخرى في مجالي الرياضيات والعلوم. ففي بيزا 2015، جاءت دولة الإمارات في المركز الخمسين، وقطر في المركز الثاني والستين. أما في اختبار تيمز للعام نفسه، فإن نتائج طلاب دول مجلس التعاون كانت دون المتوسط. وهناك تصنيف عالمي جديد آخر في مجال تقييم التعليم تقوم به منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وهو «المهارات الأساسية العامة». يقيس التقرير الصادر عن هذه المنظمة (المنشور في 2015) المهارات على أساس تحصيل الطلاب في اختبارات التقييم الدولية (وأهمها بيزا وتيمز). وباستخدام بيانات من 76 دولة، يركز التقرير على شريحة السكان التي تفتقر إلى المهارات الأساسية اللازمة للمشاركة الكاملة في الاقتصاد العالمي المعاصر (تم تعريف «المهارات الأساسية» على أنها الحصول على 420 نقطة على الأقل في اختبار بيزا). وفي هذا المؤشر، كانت نتائج دول الخليج أقل من 420 نقطة، باستثناء دولة الإمارات (441.2 نقطة). وقد كان ترتيبها كالآتي: الإمارات في المركز 45، والبحرين 57، والسعودية 66، وقطر 68، وعمان 72 (لم تظهر الكويت في المؤشر). هذه النتائج تضع دول الخليج في أسفل القائمة من حيث جودة التعليم. واستنادًا إلى نتائج المؤشر المذكور، فإن نسبة الطلاب الخليجيين الذين لا يكتسبون المهارات الأساسية كانت كالآتي: قطر 67.7 بالمئة، وعمان 65 بالمئة، والسعودية 61.2 بالمئة، والبحرين 53.4 بالمئة، والإمارات 42.7 بالمئة. وجد تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية اختلافات كبيرة في الأداء بين الطلاب من قطاعَي التعليم العام والخاص. فمثلًا، كان التلاميذ من قطاع التعليم العام في قطر «متخلفين ثلاث سنوات عن نظرائهم في المدارس الخاصة في الرياضيات». وكما يلاحظ البنك الدولي: «تستثمر دول مجلس التعاون الخليجي جزءًا كبيرًا من الإنفاق العام على التعليم، ولكن على الرغم من ذلك فإن أداء الطلاب في اختبارات التقييم الدولية لا يزال أقل كثيرًا من متوسط المعايير الدولية»


مقتبس من كتاب: ما بعد النفط : تحديات البقاء في دول الخليج العربية | الكاتب: ميرزا حسن القصَّاب

الفصل السادس: التعليم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملخص: محمد علي الطويل  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ألبوم يحتوي على أقدم صور متوفرة عن الأحساء منذ 1908

أنواع الإضاءة – إضاءة الأستوديو(5)

ملخص كتاب : مقاليد القراءة