السلطة و الإقتصاد ما قبل وبعد النفط في الخليج

السلطة و الإقتصاد ما قبل وبعد النفط في الخليج

كانت شبه الجزيرة العربية قبل النفط واحدة من أكثر مناطق العالم فقرًا من حيث الموارد الطبيعية ومستوى التنمية. وكان النشاط الاقتصادي في المنطقة محصورًا إلى حد كبير، في زراعة الكفاف أو الرعي لقلة الموارد المائية من جهة، ولقلة عدد السكان من جهة أخرى. وعلى امتداد الساحل، كان النشاط الأساسي لمجتمعات الخليج يتمثل بصناعة الغوص على اللؤلؤ الذي كان تقريبًا المصدر الوحيد للدخل والمجال الأكبر للعمل.

وكانت طبقة التجار (الطواويش) في مشيخات الخليج هي المسيطرة على صناعة اللؤلؤ وعلى قطاع الاستيراد والتصدير. وكان «جزء كبير من دخل الحكام يأتي من التجار وذلك من خلال الرسوم الجمركية وضريبة سفن صيد اللؤلؤ والإيجارات والإيرادات الأخرى التي تتدفق من اقتصاد مزدهر بالتجارة البحرية». كان تصدير اللؤلؤ الطبيعي يحقق إيرادات من العملة الأجنبية تمكن التجار المحليين من استيراد ضروريات المعيشة مثل الرز والدقيق والسكر والقهوة والسمن والتوابل والملابس. وكانت عمليات التجارة تتم بالروبية الهندية  وهي العملة المتداولة في المنطقة في ظل الهيمنة البريطانية. وشاءت الأقدار أن تتدهور صناعة اللؤلؤ في الثلاثينيات من القرن الماضي بعد أن تمكن العلماء اليابانيون من تطوير اللؤلؤ الاصطناعي (المستزرع) وطرحه في الأسواق بكميات كبيرة وبأسعار تنافسية جدًا. وقد أدى ذلك إلى انهيار صناعة صيد اللؤلؤ في الخليج. وهكذا لم يتبقّ من الأنشطة الاقتصادية في الخليج سوى الصيد البحري والزراعة المحدودة ما جعل الحياة بائسة إلى حد بعيد وليس لدى هذه الدول سلع للتصدير تعود عليها بعملات أجنبية. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية بدأت المعاناة الاقتصادية غير المستساغة التي تعيشها مجتمعات الخليج في الانحسار تدريجًا وذلك من خلال توافر فرص العمل في صناعة النفط الجديدة التي سرعان ما ستتحول لتكون القطاع الأكثر منفعة وربحية في المنطقة. ومن هنا ولدت «الدولة الريعية» في الخليج وكان من شأن ذلك أن تتغير سلطة الشيخ الحاكم جذريًا. وسيؤدي الريع من صادرات النفط الخام إلى تقوية سلطة الأسَر الحاكمة في بلدان الخليج. وهذا التغير سيمنح الحكام الاستقلال الاقتصادي عن شعوبهم، لأن توزيع عائدات النفط سيكون وفقًا لتقديرهم. كما أنهم لن يعودوا يعتمدون على التجار للحصول على الدعم المالي كما كانت عليه الحال سابقًا. وبدلًا من ذلك فإن التجار هم الذين سيعتمدون الآن على الحكام في الحصول على التعاقدات والخدمات الحكومية. وعلى هذا الأساس فإن الثروة النفطية ستمكن حكام الخليج من «الوفاء بالتزامات الحكم أكثر من أي وقت مضى وذلك من خلال إنشاء نظام الرعاية الاجتماعية الذي يوفر الخدمات بسخاء للجميع». كذلك ستمكن هذه الثروة الحكام من بناء «مجتمعات واسعة النطاق»، تقوم على خدمتها «قوى عاملة مستوردة من الخارج تكون أكبر حجمًا من السكان المحليين». وسيكون بمقدورهم أيضًا «إنشاء الجيوش الكبيرة الحديثة، وقوات الشرطة، والبيروقراطيات .

وعلى مدى عقود من الزمن كانت الروبية الهندية هي العملة الرسمية في الخليج. وكانت مشيخات الخليج تقوم بشراء الروبية المتداولة فيها من بنك الاحتياطي الهندي ويتم دفع ما يقابلها بالجنيه الإسترليني البريطاني.

ومن أجل التحايل على القيود المفروضة في الهند على استيراد الذهب فقد كان يجري تهريب الروبية الهندية من الهند إلى الخليج ليتم استبدالها بالذهب الذي بدوره يتم تهريبه ثانية إلى الهند.

مع تفاقم مشكلة التهريب أخذ احتياطي الهند من الجنيهات الإسترلينية في التناقص. ولمعالجة المشكل لجأت حكومة الهند إلى إصدار «روبية الخليج» في عام 1959، وتم تحديد قيمتها وربطها بنفس قيمة الروبية الهندية لتصبح بالتالي مرتبطة أيضًا بالجنيه الإسترليني (كانت الروبية الهندية في ذلك الوقت مرتبطة بالجنيه الإسترليني بسعر صرف يعادل 13.33 روبية للجنيه الإسترليني الواحد، ظلت الروبية الخليجية في التداول حتى بدأت السلطات النقدية الناشئة حديثًا في بلدان الخليج في إصدار عملاتها المحلية. ففي عام 1961 تم إصدار الدينار الكويتي، وتلاه إصدار الدينار البحريني في عام 1965، والريال العماني في عام 1970، وأخيرًا الدرهم الإماراتي والريال القطري في عام 1973، أما السعودية، فإن الريال كان عملتها منذ أن تأسست المملكة في عام 1932، وكان عملة الحجاز قبل ذلك. وفي عام 1935 تم إصدار ريال جديد وكانت مواصفاته تكاد تطابق «مواصفات الروبية الهندية النقد الأكثر تداولًا بين النقود الأجنبية السائدة آنذاك». ولكن بما أن معاملات النفط الدولية كافة يتم تسعيرها بالدولار الأمريكي فإن ذلك يجعل الدخل القومي لمصدّري النفط يعتمد أساسًا على قيمة الدولار أي سعر صرفه في السوق. لذلك فقد تم ربط العملات الخليجية رسميًا بالدولار الأمريكي، باستثناء الدينار الكويتي الذي تم ربطه بسلة من العملات المرجحة.

مقتبس من كتاب: ما بعد النفط : تحديات البقاء في دول الخليج العربية | الكاتب: ميرزا حسن القصَّاب

الفصل الأول: خليفة تاريخية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ألبوم يحتوي على أقدم صور متوفرة عن الأحساء منذ 1908

أنواع الإضاءة – إضاءة الأستوديو(5)

ملخص كتاب : مقاليد القراءة